في السنوات الأخيرة، أصبحت التطبيقات المالية مثل "بنكيلي" جزءًا لا غنى عنه في حياة الموريتانيين، سواء في الداخل أو بين أفراد الجالية في الخارج. هذه التطبيقات لا تسهل فقط عمليات تحويل الأموال بسرعة وسهولة، بل تقدم أيضًا حلاً اقتصاديًا عمليًا مقارنة بالطرق التقليدية التي كانت تستغرق وقتًا طويلاً وتكلف الكثير. تخيل، بمجرد بضع نقرات على هاتفك، يمكنك إرسال أموال لعائلتك أو أصدقائك في أي مكان في موريتانيا. هذا ليس مجرد تسهيل لحياتك اليومية، بل هو أيضًا دفعة قوية للاقتصاد المحلي.
من منظور اقتصادي، هذه التطبيقات تلعب دورًا حيويًا. عندما يتم تحويل الأموال عبر التطبيقات المالية، فهي تدخل مباشرة في النظام المالي الرسمي، مما يزيد من الشمول المالي، ويعزز السيولة المتاحة للبنوك. هذا بدوره يتيح للبنوك تمويل مشاريع جديدة وتقديم قروض ميسرة، مما يعزز الحركة الاقتصادية ويخلق فرص عمل. كما أن التحويلات الأسرية تسهم في زيادة القدرة الشرائية للعائلات، مما يدعم الأسواق المحلية والشركات الصغيرة.
لكن هناك تحدٍ كبير يلوح في الأفق: ماذا يحدث إذا تراجعت ثقة المستخدمين في هذه التطبيقات؟ مع ازدياد التقارير عن حالات الاحتيال والجرائم الإلكترونية، بدأ البعض في الابتعاد عن هذه الحلول الرقمية والعودة إلى الطرق التقليدية، مثل الاعتماد على السماسرة والوسطاء الماليين. هنا تبدأ المشاكل الحقيقية.
الاعتماد على السماسرة لا يقتصر فقط على كونه مكلفًا ويستغرق وقتًا أطول، بل يحمل أيضًا مخاطر كبيرة على الاقتصاد:
أولاً، هذه التحويلات تتم غالبًا خارج نطاق المراقبة الرسمية، مما يعني أن الدولة لا تستطيع تتبع هذه التدفقات المالية أو الاستفادة منها. وهذا يؤدي إلى فقدان فرص كبيرة لتعزيز النظام المالي المحلي.
ثانيًا، هذه الوسائل غير الرسمية قد تكون بابًا مفتوحًا لتبييض الأموال، حيث يمكن استخدام تلك التحويلات في إخفاء مصادر الأموال غير المشروعة. وبدون إشراف الدولة، يصبح من الصعب معرفة ما إذا كانت هذه الأموال تُستخدم بشكل قانوني أم لا.
إلى جانب ذلك، فإن المستخدمين الذين يعتمدون على السماسرة يواجهون مخاطر شخصية كبيرة. في ظل غياب أي ضمانات قانونية، فإن الأموال قد تتعرض للفقدان أو الاحتيال دون أي سبيل لاستردادها. في المقابل، التحويلات عبر التطبيقات المالية توفر أمانًا أعلى، حيث يتم تسجيل كل معاملة ويمكن تتبعها بسهولة.
لكن لكي تستعيد التطبيقات مثل "بنكيلي" ثقة المستخدمين، يجب أن تتخذ خطوات جادة لتعزيز الأمان.
من بين الحلول التي يمكن تنفيذها، تطوير نظام مراقبة ذكي يمكنه التعرف على الأنشطة غير المعتادة في الحسابات وتنبيه المستخدمين فورًا. على سبيل المثال، إذا حاول أحدهم تحويل مبلغ كبير بشكل غير عادي الى جهة غير معتادة، سيتلقى المستخدم إشعارًا للتحقق مما إذا كان هذا الإجراء تم بموافقته أم لا. هذا النوع من الحماية يساهم بشكل كبير في منع الاحتيال.
بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكون هناك تعاون أوثق بين مطوري التطبيقات المالية والجهات الحكومية والبنوك المركزية لضمان الامتثال للمعايير الأمنية الصارمة. يمكن لهذه الشراكات أن تسهم في إنشاء بيئة مالية أكثر أمانًا، حيث يتم مراقبة كل عملية بشكل دقيق لتجنب أي أنشطة غير قانونية مثل تبييض الأموال.
ولا يمكن إغفال أهمية التوعية المستمرة للمستخدمين. ينبغي أن يتم تثقيف الأفراد حول كيفية حماية بياناتهم الشخصية وعدم الانسياق وراء الرسائل أو الروابط المشبوهة. الوعي هو الخط الأول للدفاع ضد الاحتيال، ومع ازدياد فهم الناس لكيفية حماية أنفسهم، ستصبح عمليات الاحتيال أصعب تنفيذًا.
في نهاية المطاف، التطبيقات المالية مثل "بنكيلي" ليست مجرد وسيلة لتحويل الأموال، بل هي أداة قوية لدعم الاقتصاد الوطني. لكن لكي تظل هذه التطبيقات فعالة ومستدامة، يجب أن تستمر في تطوير أدوات الأمان والشفافية لضمان أن المستخدمين يشعرون بالثقة والراحة في استخدامها. المستقبل يعتمد على الحلول الرقمية، وإذا تمت إدارتها بشكل جيد، يمكن أن تكون هذه الحلول هي المفتاح لنمو اقتصادي مستدام في موريتانيا.
في إحدى حلقات بودكاست "ركائز تقنية"، ناقشنا أهمية حماية البيانات الشخصية من القرصنة والهجمات الإلكترونية. يتوفر بودكاست "ركائز تقنية" على مختلف منصات البودكاست، حيث نغطي مواضيع تقنية متنوعة تهم الجميع.
يمكنكم أيضا متابعة صفحة البودكاست على فيس بوك من هنا