في عصرنا الرقمي المتسارع، أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية. ولكن مع انتشار استخدامها بشكل كبير، بدأت تظهر تساؤلات حول تأثيراتها النفسية والاجتماعية. فبينما تقدم هذه المنصات فرصًا للتواصل والترفيه، هناك أدلة متزايدة على أنها تستغل بياناتنا الشخصية وتؤثر على سلوكياتنا بشكل غير واعٍ من خلال خوارزميات مصممة لتعزيز الإدمان. هذه الآليات، على المدى الطويل، قد تؤدي إلى تآكل الهوية الفردية، وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب، وتفاقم التحديات في العلاقات الإنسانية.
عندما قرأت كتاب "Ten Arguments for Deleting Your Social Media Accounts Right Now" لجارون لانيير، تفاجأت بحجم الخطر الذي تشكله مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا اليومية. ما يثير الدهشة هو كيف تُسلب منا الإرادة الحرة بطريقة غير ملحوظة، فنحن لم نعد مجرد مستخدمين بل أصبحنا سلعًا تُباع وتُشترى. الخوارزميات الذكية ليست فقط توجه اهتماماتنا، بل تتلاعب بالحقائق من حولنا وتعيد تشكيل قراراتنا الشخصية دون أن ندرك.
تتبنى بعض الدول استراتيجيات لرفع الوعي حول استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بطرق مسؤولة، بهدف تقليل آثارها السلبية على المجتمع. على سبيل المثال، في فرنسا، تم إقرار قانون يمنع استخدام الهواتف الذكية في المدارس لتعزيز علاقة صحية بين الشباب والتكنولوجيا، بالإضافة إلى حملات لتشجيع التوازن الرقمي والحفاظ على الصحة النفسية.
في إيطاليا، تم إطلاق مشروع يُعرف باسم "شهر الوعي الرقمي" الذي ينظمه المركز الإيطالي للأمن السيبراني. هذه المبادرة تهدف إلى رفع مستوى الوعي لدى المواطنين حول المخاطر المرتبطة بالاستخدام المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي وتقديم نصائح حول كيفية استخدامها بطريقة آمنة وواعية.
وفي ظل ضعف التعليم وغياب الوعي الرقمي لدى شريحة كبيرة من المجتمع الموريتاني، تبدو الحاجة ملحة لاستراتيجيات مشابهة لتلك التي تبنتها دول مثل فرنسا وإيطاليا. إدراج مواد تعليمية حول الإعلام الرقمي في المدارس، وتكثيف الحملات التوعوية، يمكن أن يكونا من الأدوات الفعالة التي تساهم في مواجهة تلك التحديات. بدون اتخاذ خطوات حاسمة لرفع الوعي الرقمي، ستظل موريتانيا مهددة بتفاقم التأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث تصبح الأكاذيب ونشر المعلومات المغلوطة أدوات فعالة للتلاعب بالرأي العام، ويزداد الاستقطاب داخل المجتمع بشكل يصعب السيطرة عليه.
شاهدوا حلقة "خطورة مواقع التواصل الاجتماعي" من خلال هذا الرابط، أو استمعوا إليها عبر بودكاست "ركائز تقنية" المتاح على مختلف منصات البودكاست.